فصل: فَصْلٌ: (في المنفعة في عقد الإجارة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏في المنفعة في عقد الإجارة‏]‏

المتن‏:‏

يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً، ثُمَّ تَارَةً تُقَدَّرُ بِزَمَانٍ كَدَارٍ سَنَةً، وَتَارَةً بِعَمَلٍ كَدَابَّةٍ إلَى مَكَّةَ وَكَخَيَّاطَةِ ذَا الثَّوْبِ، فَلَوْ جَمَعَهُمَا فَاسْتَأْجَرَهُ لِيَخِيطَهُ بَيَاضَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ، فَقَالَ‏:‏ فَصْلٌ‏:‏ يُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ فِيمَا لَهُ مَنَافِعُ كَدَارٍ ‏(‏كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ‏)‏ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ‏(‏مَعْلُومَةً‏)‏ عَيْنًا وَصِفَةً وَقَدْرًا، وَلَمْ يَقُلْ‏:‏ وَكَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً كَمَا قَالَ سَابِقًا، وَكَوْنُ الْمُؤَجِّرِ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا لِكَثْرَةِ أَبْحَاثِ هَذَا الشَّرْطِ، فَلَا يَصِحُّ إيجَارُ أَحَدِ عَبْدَيْهِ، وَلَا إجَارَةُ الْغَائِبِ وَلَا إجَارَةُ مُدَّةٍ غَيْرِ مُقَدَّرَةٍ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ دُخُولُ الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ بَيْعِ الْغَرَرِ مَعَ اخْتِلَافِ حَالِ الدَّاخِلِينَ فِي الْمُكْثِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْحَمَّامِيُّ أُجْرَةُ الْحَمَّامِ وَمَا يُسْكَبُ بِهِ الْمَاءُ وَالْإِزَارِ وَحِفْظِ الثِّيَابِ‏.‏ أَمَّا الْمَاءُ فَغَيْرُ مَضْبُوطٍ عَلَى الدَّاخِلِ، وَالْحَمَّامِيُّ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ لَا يَضْمَنُ عَلَى الْمَذْهَبِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ ثَمَنُ الْمَاءِ وَأُجْرَةُ الْحَمَّامِ وَمَا يُسْكَبُ بِهِ وَحِفْظِ الثِّيَابِ، وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ‏.‏ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَيْنِ الْمُعَيَّنَةِ سِوَى مَنْفَعَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْبِسَاطِ لِلْفُرُشِ حُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنَافِعُ كَالْأَرْضِ وَالدَّابَّةِ وَجَبَ الْبَيَانُ كَمَا قَالَ‏:‏ ‏(‏ثُمَّ تَارَةً تُقَدَّرُ‏)‏ الْمَنْفَعَةُ ‏(‏بِزَمَانٍ‏)‏ فَقَطْ ‏(‏كَدَارٍ‏)‏ أَيْ كَإِجَارَةِ دَارٍ وَثَوْبٍ وَإِنَاءٍ ‏(‏سَنَةً‏)‏ مُعَيَّنَةً مُتَّصِلَةً بِالْعَقْدِ فَيَقُولُ‏:‏ أَجَّرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِالسُّكْنَى سَنَةً‏.‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ عَلَى أَنْ تَسْكُنَهَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ أَجَّرَهُ شَهْرًا مَثَلًا، وَأَطْلَقَ صَحَّ وَجَعَلَ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ مِنْ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ الْمُتَعَارَفُ‏.‏ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ مِنْ الْآنَ، وَلَا تَصِحُّ إجَارَةِ شَهْرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَبَقِيَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ لِلْإِبْهَامِ‏.‏ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِيهَا غَيْرُهُ صَحَّ، وَقَوْلُهُ أَجَّرْتُك مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ أَجَّرْتُك كُلَّ شَهْرٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهَا مُدَّةً‏.‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ أَجَرْتُك هَذِهِ السَّنَةَ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِجَارَةَ إلَى جَمِيعِ السَّنَةِ بِخِلَافِهِ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَجَّرْتُك هَذَا الشَّهْرَ بِدِينَارٍ وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ صَحَّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ‏.‏

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْإِجَارَةِ شَهْرًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ لَكِنْ إذَا أَجَّرَهُ شَهْرًا مُعَيَّنًا بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا كُلَّ يَوْمٍ مِنْهُ بِدِرْهَمٍ فَجَاءَ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ بَطَلَ، كَمَا لَوْ بَاعَ الصُّبْرَةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَخَرَجَتْ تِسْعِينَ مَثَلًا‏.‏ ‏(‏وَتَارَةً‏)‏ تُقَدَّرُ ‏(‏بِعَمَلٍ‏)‏ أَيْ مَحَلِّهِ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ ‏(‏كَدَابَّةٍ‏)‏ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَوْصُوفَةٍ لِلرُّكُوبِ ‏(‏إلَى مَكَّةَ‏)‏ مَثَلًا، ‏(‏وَكَخِيَاطَةِ ذَا الثَّوْبِ‏)‏ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنَافِعَ مَعْلُومَةٌ فِي أَنْفُسِهَا فَلَمْ تَفْتَقِرْ إلَى تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ تَعَيُّنَ التَّقْدِيرِ بِالْعَمَلِ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجُوزُ تَقْدِيرُهُ بِالزَّمَنِ أَيْضًا فَيَقُولُ‏:‏ أَجِّرْنِي هَذِهِ الدَّابَّةَ لِأَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا، أَوْ لِأَرْكَبَهَا شَهْرًا، أَوْ أَجِّرْنِي عَبْدَك لِيَحْفَظَ لِي هَذَا الثَّوْبَ أَوْ يَخِيطَ لِي شَهْرًا‏.‏ وَفِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ‏:‏ مِنْ كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ الْمَنَافِعُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ‏:‏ قِسْمٌ لَا تُقَدَّرُ فِيهِ الْمَنْفَعَةُ إلَّا بِالْمُدَّةِ كَالْعَقَارِ وَالرَّضَاعِ وَالتَّطْيِينِ وَالتَّجْصِيصِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْعَقَارِ وَتَقْدِيرَ اللَّبَنِ إنَّمَا يَنْضَبِطُ بِالزَّمَانِ، وَسُمْكُ التَّطْيِينِ وَالتَّجْصِيصِ لَا يَنْضَبِطُ رِقَّةً وَثَخَانَةً‏.‏ وَكَمَا فِي الِاكْتِحَالِ فَإِنَّ قَدْرَ الدَّوَاءِ لَا يَنْضَبِطُ وَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَتُقَدَّرُ الْمُدَاوَاةُ بِالْمُدَّةِ لَا بِالْبُرْءِ وَالْعَمَلِ‏.‏ فَإِنْ بَرِيءَ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِي الْبَاقِي‏.‏ وَقِسْمٌ لَا تُقَدَّرُ فِيهِ الْمَنْفَعَةُ إلَّا بِالْعَمَلِ كَبَيْعِ الثَّوْبِ وَالْحَجِّ وَقَبْضِ شَيْءٍ مِنْ فُلَانٍ‏.‏ وَقِسْمٌ يَجُوزُ فِيهِ الْأَمْرَانِ كَالدَّابَّةِ وَالْخِيَاطَةِ‏.‏ هَذَا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ، فَلَوْ قَالَ‏:‏ أَلْزَمْت ذِمَّتَك الْخِيَاطَةَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ عَامِلًا يَخِيطُ وَلَا مَحَلًّا لِلْخِيَاطَةِ، بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُبَيِّنَ الثَّوْبَ وَمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ قَمِيصٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالطُّولَ وَالْعَرْضَ، وَأَنْ يُبَيِّنَ الْخِيَاطَةَ أَهِيَ رُومِيَّةٌ أَوْ فَارِسِيَّةٌ‏؟‏ إلَّا أَنْ تَطَّرِدَ عَادَةً بِنَوْعٍ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ‏.‏ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ الرُّومِيُّ بِغُرْزَتَيْنِ وَالْفَارِسِيُّ بِغُرْزَةٍ، فَلَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا وَقَالَ‏:‏ إنْ خِطْته رُومِيًّا فَلَكَ دِرْهَمٌ وَإِنْ خِطْته فَارِسِيًّا فَنِصْفُهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِلْإِبْهَامِ، فَإِنْ خَاطَهُ كَيْفَ اتَّفَقَ كَانَ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَارَةً نُصِبَتْ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَمَعْنَاهَا الْوَقْتُ وَالْحِينُ، وَالْعَامِلُ فِيهِ مُقَدَّرٌ وَيُجْمَعُ عَلَى تَارَاتٍ كَسَاعَةٍ وَسَاعَاتٍ، وَفَسَّرَهَا الْجَوْهَرِيُّ بِالْمَرَّةِ، ‏(‏فَلَوْ جَمَعَهُمَا‏)‏ أَيْ الزَّمَانَ وَالْعَمَلَ ‏(‏فَاسْتَأْجَرَهُ‏)‏ أَيْ شَخْصًا ‏(‏لِيَخِيطَهُ‏)‏ أَيْ الثَّوْبَ ‏(‏بَيَاضَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِلْغَرَرِ؛ فَقَدْ يَتَقَدَّمُ الْعَمَلُ أَوْ يَتَأَخَّرُ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي قَفِيزٍ حِنْطَةً بِشَرْطِ كَوْنِ وَزْنِهِ كَذَا لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ يَنْقُصَ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّوْبُ صَغِيرًا يُقْطَعُ بِفَرَاغِهِ فِي الْيَوْمِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَمَرَّ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ التَّقْدِيرَ بِالْعَمَلِ وَذَكَرَ الْيَوْمَ‏:‏ أَيْ شَرَطَهُ لِلتَّعْجِيلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَصِحُّ إذْ الْمُدَّةُ مَذْكُورَةٌ لِلتَّعْجِيلِ فَلَا تُورِثُ الْفَسَادَ، وَهَذَا بَحْثُ السُّبْكِيّ،‏.‏

المتن‏:‏

وَيُقَدَّرُ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ بِمُدَّةٍ، أَوْ تَعْيِينِ سُوَرٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيُقَدَّرُ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ بِمُدَّةٍ‏)‏ كَشَهْرٍ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ شَهْرًا، وَقِيلَ‏:‏ لَا يَجُوزُ لِتَفَاوُتِ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ فِي سُهُولَةِ الْحِفْظِ وَصُعُوبَتِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الِاسْتِئْجَارِ لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ أَوْ لِبَعْضِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ مَا يُسَمَّى قُرْآنًا‏.‏ أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهُ مُدَّةً لِجَمِيعِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الزَّمَانِ وَالْعَمَلِ، وَحِينَئِذٍ كَانَ يَنْبَغِي لَلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ‏:‏ تَعْلِيمُ قُرْآنٍ بِالتَّنْكِيرِ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ‏:‏ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى جَمِيعِهِ‏.‏ فَإِذَا قُدِّرَ التَّعْلِيمُ بِمُدَّةٍ كَشَهْرٍ هَلْ يَدْخُلُ الْجَمِيعُ أَوْ لَا‏؟‏ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ أَيَّامَ السُّبُوتِ مُسْتَثْنَاةٌ فِي اسْتِئْجَارِ الْيَهُودِيِّ شَهْرًا لِاطِّرَادِ الْعُرْفِ بِهِ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ الْأَحَدُ لِلنَّصَارَى، وَالْجُمَعُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ‏.‏ ‏(‏أَوْ تَعْيِينِ سُوَرٍ‏)‏ أَوْ سُورَةٍ أَوْ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ كَذَا مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ آخِرِهَا لِلتَّفَاوُتِ فِي ذَلِكَ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِمَا يَقَعُ الْعَقْدُ عَلَى تَعْلِيمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَاهُ وَكَّلَا مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَلَا يَكْفِي أَنْ يَفْتَحَ الْمُصْحَفَ وَيَقُولَ تُعَلِّمُنِي مِنْ هُنَا إلَى هُنَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ مَعْرِفَةَ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِسُهُولَةٍ أَوْ صُعُوبَةٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُبَيِّنَ قِرَاءَةَ نَافِعٍ وَنَحْوِهِ إذْ الْأَمْرُ فِيهَا قَرِيبٌ، وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ مَا شَاءَ مِنْ الْقِرَاءَاتِ‏.‏ لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ تَفْرِيعًا عَلَى ذَلِكَ‏:‏ يُعَلِّمُهُ الْأَغْلَبَ مِنْ قِرَاءَةِ الْبَلَدِ كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا دَرَاهِمَ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ غَالِبُ دَرَاهِمِ الْبَلَدِ‏:‏ أَيْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَغْلَبُ عَلَّمَهُ مَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا أَوْجَهُ، فَإِنْ عَيَّنَ لَهُ قِرَاءَةً تَعَيَّنَتْ، فَإِنْ أَقْرَأَهُ غَيْرَهَا لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمُتَعَلِّمِ وَلَا اخْتِبَارُ حِفْظِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْمُسَابَقَةِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ حَالِ الْفَرَسِ‏.‏ نَعَمْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ، فَلَوْ وَجَدَ ذِهْنَهُ فِي الْحِفْظِ خَارِجًا عَنْ عَادَةِ أَمْثَالِهِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةَ، وَلَوْ كَانَ يَنْسَى فَهَلْ عَلَى الْأَجِيرِ إعَادَةُ تَعْلِيمِهِ أَوْ لَا‏؟‏ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ غَالِبٌ فَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا اعْتِبَارُ مَا دُونَ الْآيَةِ، فَإِذَا عَلَّمَهُ بَعْضَهَا فَنَسِيَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ مِنْ بَاقِيهَا لَزِمَ الْأَجِيرَ إعَادَةُ تَعْلِيمِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقْرَأُ فِيهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُتَعَلِّمِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ يُرْجَى إسْلَامُهُ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ لَمْ يُعَلَّمْ كَمَا لَا يُبَاعُ الْمُصْحَفُ مِنْ الْكَافِرِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا الْقِيَاسِ جَوَازُ بَيْعِ الْمُصْحَفِ مِنْ الْكَافِرِ إذَا رُجِيَ إسْلَامُهُ وَلَيْسَ مُرَادًا‏.‏ فَرْعٌ الْإِجَارَةُ لِلْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ قَدْرًا مَعْلُومًا جَائِزَةٌ لِلِانْتِفَاعِ بِنُزُولِ الرَّحْمَةِ حَيْثُ يُقْرَأُ الْقُرْآنُ وَيَكُونُ الْمَيِّتُ كَالْحَيِّ الْحَاضِرِ، سَوَاءٌ أَعْقَبَ الْقُرْآنَ بِالدُّعَاءِ أَمْ جَعَلَ أَجْرَ قِرَاءَتِهِ لَهُ أَمْ لَا، فَتَعُودُ مَنْفَعَةُ الْقُرْآنِ إلَى الْمَيِّتِ فِي ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ يَلْحَقُهُ وَهُوَ بَعْدَهَا أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ وَأَكْثَرُ بَرَكَةً؛ وَلِأَنَّهُ إذَا جَعَلَ أُجْرَةَ الْحَاصِلِ بِقِرَاءَتِهِ لِلْمَيِّتِ فَهُوَ دُعَاءٌ بِحُصُولِ الْأَجْرِ لَهُ فَيَنْتَفِعُ بِهِ، فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ‏:‏ إنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَحْصُلُ لَهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ‏.‏

المتن‏:‏

وَفِي الْبِنَاءِ يُبَيِّنُ الْمَوْضِعَ وَالطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالسَّمْكَ وَمَا يُبْنَى بِهِ إنْ قُدِّرَ بِالْعَمَلِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَفِي الْبِنَاءِ‏)‏ أَيْ الِاسْتِئْجَارِ لَهُ عَلَى أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا كَسَقْفٍ ‏(‏يُبَيِّنُ الْمَوْضِعَ‏)‏ لِلْجِدَارِ، ‏(‏وَالطُّولَ‏)‏ وَهُوَ الِامْتِدَادُ مِنْ إحْدَى الزَّاوِيَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى، ‏(‏وَالْعَرْضَ‏)‏ وَهُوَ مَا بَيْنَ وَجْهَيْ الْجِدَارِ، ‏(‏وَالسَّمْكَ‏)‏ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ بِخَطِّهِ‏:‏ الِارْتِفَاعُ، ‏(‏وَ‏)‏ يُبَيِّنُ أَيْضًا ‏(‏مَا يُبْنَى بِهِ‏)‏ الْجِدَارُ مِنْ طِينٍ وَلَبِنٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏إنْ قُدِّرَ بِالْعَمَلِ‏)‏ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِهِ، فَإِنْ قُدِّرَ بِالزَّمَانِ وَالْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى بَيَانِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ نَعَمْ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ مَا يُبْنَى بِهِ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ، وَمَحَلُّ هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَا يُبْنَى بِهِ حَاضِرًا، وَإِلَّا فَمُشَاهَدَتُهُ تُغْنِي عَنْ تَبْيِينِهِ، وَيُبَيَّنُ فِي النِّسَاخَةِ عَدَدُ الْأَوْرَاقِ وَأَسْطُرُ الصَّفْحَةِ وَقَدْرُ الْقِطَعِ وَالْحَوَاشِي، وَيَجُوزُ التَّقْدِيرُ فِيهَا بِالْمُدَّةِ‏.‏ وَيُبَيَّنُ فِي الرَّعْيِ الْمُدَّةُ وَجِنْسُ الْحَيَوَانِ وَنَوْعُهُ، وَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى قَطِيعٍ مُعَيَّنٍ وَعَلَى قَطِيعٍ فِي الذِّمَّةِ، وَلَوْ لَمْ يُبَيَّنْ فِيهِ الْعَدَدُ اكْتَفَى بِالْعُرْفِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي‏.‏ وَيُبَيَّنُ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِضَرْبِ اللَّبِنِ إذَا قُدِّرَ بِالْعَمَلِ الْعَدَدُ وَالْقَالَبُ - بِفَتْحِ اللَّامِ - طُولًا وَعَرْضًا وَسَمْكًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّبْيِينِ، وَإِنْ قُدِّرَ بِالزَّمَانِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ الْعَدَدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِذَا صَلُحَتْ الْأَرْضُ لِبِنَاءٍ وَزِرَاعَةٍ وَغِرَاسٍ اُشْتُرِطَ تَعْيِينُ الْمَنْفَعَةِ، وَيَكْفِي تَعْيِينُ الزِّرَاعَةِ عَنْ ذِكْرِ مَا يُزْرَعُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ لِتَنْتَفِعَ بِهَا بِمَا شِئْت صَحَّ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَازْرَعْ وَإِنْ شِئْت فَاغْرِسْ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِذَا صَلُحَتْ الْأَرْضُ‏)‏ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا ‏(‏لِبِنَاءٍ وَزِرَاعَةٍ وَغِرَاسٍ‏)‏ أَوْ لِاثْنَيْنِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ‏(‏اُشْتُرِطَ تَعْيِينُ الْمَنْفَعَةِ‏)‏ فِي الصُّورَتَيْنِ لِاخْتِلَافِ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ بِاخْتِلَافِ مَنَافِعِ هَذِهِ الْجِهَاتِ، فَإِنْ أُطْلِقَ لَمْ يَصِحَّ‏.‏ أَمَّا إذَا لَمْ تَصْلُحْ إلَّا لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِيهَا كَأَرَاضِي الْأَحْكَارِ فَإِنَّهُ يَغْلِبُ فِيهَا الْبِنَاءُ، وَبَعْضِ الْبَسَاتِينِ فَإِنَّهُ يَغْلِبُ فِيهِ الْغِرَاسُ، ‏(‏وَيَكْفِي‏)‏ فِي أَرْضٍ اُسْتُؤْجِرَتْ لِزَرْعٍ ‏(‏تَعْيِينُ الزِّرَاعَةِ عَنْ ذِكْرِ مَا يُزْرَعُ‏)‏ فِيهَا كَقَوْلِهِ‏:‏ أَجَّرْتُكَهَا لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لِتَزْرَعَهَا فَيَصِحُّ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أَنْوَاعِ الزَّرْعِ، وَيَزْرَعُ مَا شَاءَ لِلْإِطْلَاقِ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى أَقَلِّ الدَّرَجَاتِ، وَمَا بَحَثَهُ حَكَاهُ الْخُوَارِزْمِيُّ وَجْهًا‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الزَّرْعِ مُخْتَلِفٌ، وَيَجْرِي فِي قَوْلِهِ لِتَبْنِيَ أَوْ لِتَغْرِسَ لِتَفَاوُتِ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ السُّبْكِيُّ‏.‏ نَعَمْ إنْ أَجَّرَ عَلَى غَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ نِيَابَةٍ لَمْ يَكْفِ الْإِطْلَاقُ لِوُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ وَغَيْرِهَا كَذَلِكَ، ‏(‏وَلَوْ قَالَ‏:‏ لِتَنْتَفِعَ بِهَا بِمَا شِئْت صَحَّ‏)‏ فِي الْأَصَحِّ، وَيَصْنَعُ مَا شَاءَ لِرِضَاهُ بِهِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الْإِضْرَارِ‏.‏ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ‏:‏ فَعَلَيْهِ أَنْ يُرِيحَ الْمَأْجُورَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَمَا فِي إرَاحَةِ الدَّابَّةِ، ‏(‏وَكَذَا‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏لَوْ قَالَ‏)‏ لَهُ‏:‏ ‏(‏إنْ شِئْت فَازْرَعْ‏)‏ أَيْ الْأَرْضَ ‏(‏وَإِنْ شِئْت فَاغْرِسْ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْغِرَاسِ، وَالزَّرْعُ أَهْوَنُ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَصِحُّ لِلْإِبْهَامِ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ لَا بُدَّ فِي تَصْوِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ زِيَادَةِ مَا شِئْت فَيَقُولُ‏:‏ إنْ شِئْت فَازْرَعْ مَا شِئْت أَوْ اغْرِسْ مَا شِئْت، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ مَا ذَكَرَ عَادَ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ تَعْيِينِ مَا يَزْرَعُ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَهَذَا ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَجَرْتُكَهَا لِتَزْرَعَ أَوْ تَغْرِسَ أَوْ فَازْرَعْ وَاغْرِسْ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْقَدْرَ، أَوْ لِتَزْرَعَ نِصْفًا وَتَغْرِسَ نِصْفًا، وَلَمْ يَخُصَّ كُلَّ نِصْفٍ بِنَوْعٍ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ فِي الثَّلَاثَةِ لِلْإِبْهَامِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى جَعَلَ لَهُ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، حَتَّى لَوْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَفْعَلُ أَيَّهُمَا شَاءَ صَحَّ كَمَا نُقِلَ عَنْ التَّقْرِيبِ فَتَكُونُ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُبَيِّنْ كَمْ يَزْرَعُ وَكَمْ يَغْرِسُ‏؟‏ وَفِي الثَّالِثَةِ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَغْرُوسَ وَالْمَزْرُوعَ فَصَارَ كَقَوْلِهِ بِعْتُك أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ وَالْآخَرَ بِخَمْسِمِائَةٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ مَعْرِفَةُ الرَّاكِبِ بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ وَصْفٍ تَامٍّ، وَقِيلَ لَا يَكْفِي الْوَصْفُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ مِنْ مَحْمِلٍ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ لَهُ، وَلَوْ شَرَطَ حَمْلَ الْمَعَالِيقِ مُطْلَقًا فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ لَمْ يُسْتَحَقَّ، وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ تَعْيِينُ الدَّابَّةِ، وَفِي اشْتِرَاطِ رُؤْيَتِهَا الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَفِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ ذِكْرُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا بَيَانُ قَدْرِ السَّيْرِ كُلَّ يَوْمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِالطَّرِيقِ مَنَازِلُ مَضْبُوطَةٌ فَيَنْزِلُ عَلَيْهَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ‏)‏ إجَارَةِ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ ‏(‏مَعْرِفَةُ الرَّاكِبِ بِمُشَاهَدَتِهِ‏)‏ لَهُ ‏(‏أَوْ وَصْفٍ تَامٍّ‏)‏ لِجُثَّتِهِ لِيَنْتَفِيَ الْغَرَرُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَمْ يُبَيِّنْ الْمُرَادَ بِالْوَصْفِ التَّامِّ، فَقِيلَ بِأَنْ يَصِفَهُ بِالضَّخَامَةِ أَوْ الثَّخَانَةِ لِيَعْرِفَ وَزْنَهُ تَخْمِينًا، وَقِيلَ‏:‏ يَصِفُهُ بِالْوَزْنِ وَلَمْ يُرَجِّحَا شَيْئًا، وَالْأَرْجَحُ الْأَوَّلُ كَمَا رَجَّحَهُ الْحَاوِي الصَّغِيرُ، ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ لَا يَكْفِي الْوَصْفُ‏)‏ فِيهِ وَتَتَعَيَّنُ الْمُشَاهَدَةُ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَيْسَ كَالْمُعَايَنَةِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ، ‏(‏وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ مِنْ مَحْمِلٍ‏)‏ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ ‏(‏وَغَيْرِهِ‏)‏ مِنْ نَحْوِ زَامِلَةٍ ‏(‏إنْ كَانَ لَهُ‏)‏ أَيْ الْمُكْتَرِي، وَذُكِرَ فِي الْإِجَارَةِ وَلَمْ يَطَّرِدْ فِيهِ عُرْفٌ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِمُشَاهَدَتِهِ أَوْ وَصْفِهِ التَّامِّ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ عَمَّا إذَا كَانَ الرَّاكِبُ مُجَرَّدًا لَيْسَ لَهُ مَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ مَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ وَيُرْكِبُهُ الْمُؤَجِّرُ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ نَحْوِ سَرْجٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِالدَّابَّةِ، فَإِنْ اطَّرَدَ فِيهِ عُرْفٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ، وَبِهَذَا سَقَطَ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ يَطْلُبُ الْجَمْعَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ‏:‏ إنَّ الْأَصَحَّ فِي السَّرْجِ اتِّبَاعُ الْعُرْفِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يَخْتَصُّ بِمَا يُرْكَبُ عَلَيْهِ، بَلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ نَحْوُ زَامِلَةٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فَلَا وَجْهَ لِإِهْمَالِ الْمُصَنِّفِ لَهُ، وَيُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْوِطَاءِ، وَهُوَ الَّذِي يُفْرَشُ فِي الْمَحْمِلِ لِيَجْلِسَ عَلَيْهِ أَوْ وَصْفُهُ، وَالْغِطَاءُ الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِهِ وَيَتَوَقَّى بِهِ مِنْ الْمَطَرِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ فَيَحْتَاجُ إلَى شَرْطِهِ، وَيُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ أَوْ وَصْفُهُ إلَّا إذَا اطَّرَدَ بِهِ عُرْفٌ فَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْوِطَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ لِلْمَحْمِلِ طَرَفٌ فَكَالْغِطَاءِ، ‏(‏وَلَوْ شَرَطَ‏)‏ فِي الْإِجَارَةِ ‏(‏حَمْلَ الْمَعَالِيقِ‏)‏ جَمْعُ مُعْلُوقٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَهُوَ مَا يُعَلَّقُ عَلَى الْبَعِيرِ كَسُفْرَةٍ وَقِدْرٍ وَقَصْعَةٍ ‏(‏مُطْلَقًا‏)‏ أَيْ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ وَلَا وَصْفٍ ‏(‏فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ‏)‏، لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهَا، فَرُبَّمَا قَلَّتْ وَرُبَّمَا كَثُرَتْ‏.‏ وَالثَّانِي يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى الْوَسَطِ الْمُعْتَادِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمَعَالِيقِ إذَا كَانَتْ فَارِغَةً‏.‏ فَإِنْ كَانَ فِيهَا مَاءٌ أَوْ طَعَامٌ فَكَسَائِرِ الْمَحْمُولَاتِ، ‏(‏وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ‏)‏ أَيْ حَمْلَ الْمَعَالِيقِ ‏(‏لَمْ يُسْتَحَقَّ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ حَمْلُهَا فِي الْأَصَحِّ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ يُسْتَحَقُّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْتَضِيهِ، قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَالْمَعَالِيقُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَرْكُوبِ، فَمَعَالِيقُ الْحِمَارِ دُونَ مَعَالِيقِ الْبَعِيرِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي دَابَّةٍ يُحْمَلُ عَلَيْهَا ذَلِكَ‏.‏ أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً بِسَرْجٍ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ حَمْلَهَا قَطْعًا ‏(‏وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ‏)‏ الدَّابَّةِ إجَارَةِ ‏(‏الْعَيْنِ‏)‏ لِرُكُوبٍ ‏(‏تَعْيِينُ الدَّابَّةِ‏)‏، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤَجِّرَهُ إحْدَى هَاتَيْنِ الدَّابَّتَيْنِ لِلْإِبْهَامِ ‏(‏وَفِي اشْتِرَاطِ رُؤْيَتِهَا الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ‏)‏، وَالْأَظْهَرُ الِاشْتِرَاطُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَمْ يُحْتَرَزْ بِالتَّعْيِينِ عَنْ الْوَصْفِ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ إجَارَةَ الْعَيْنِ لَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ بَلْ أَرَادَ بِالتَّعْيِينِ مُقَابِلَ الْإِبْهَامِ لِتَخْرُجَ الصُّورَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ كَافِيَةٌ، ‏(‏وَ‏)‏ يُشْتَرَطُ ‏(‏فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ‏)‏ لِرُكُوبِ دَابَّةٍ ‏(‏ذِكْرُ الْجِنْسِ‏)‏ لَهَا كَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ ‏(‏وَالنَّوْعِ‏)‏ كَبَخَاتِيٍّ وَعِرَابٍ ‏(‏وَالذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ‏)‏ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ، فَإِنَّ الْأُنْثَى أَسْهَلُ سَيْرًا، وَالذَّكَرَ أَقْوَى، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ صِفَةِ السَّيْرِ كَبَحْرٍ أَوْ قَطُوفٍ أَوْ مُهَمْلِجٍ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْغَرَضِ يَتَعَلَّقُ بِكَيْفِيَّةِ السَّيْرِ‏.‏ وَالْبَحْرُ‏:‏ الْوَاسِعُ الْمَشْيِ‏.‏ وَالْقَطُوفُ بِفَتْحِ الْقَافِ‏:‏ الْبَطِيءُ السَّيْرِ، وَالْمُهَمْلِجُ بِكَسْرِ اللَّامِ‏:‏ حَسَنُ السَّيْرِ فِي سُرْعَةٍ، ‏(‏وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا‏)‏ أَيْ إجَارَتَيْ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ لِلرُّكُوبِ ‏(‏بَيَانُ قَدْرِ السَّيْرِ كُلَّ يَوْمٍ‏)‏، إنْ كَانَ قَدْرًا تُطِيقُهُ الدَّابَّةُ غَالِبًا، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطُّرُقِ سُهُولَةً وَصُعُوبَةً، وَبِالْأَوْقَاتِ كَزَمَنِ وَحْلٍ أَوْ ثَلْجٍ أَوْ مَطَرٍ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا فِيهِمَا بَيَانُ وَقْتِ السَّيْرِ أَهُوَ اللَّيْلُ أَوْ النَّهَارُ‏؟‏ وَالنُّزُولِ فِي الْقُرَى أَوْ الصَّحْرَاءِ، ‏(‏إلَّا أَنْ يَكُونَ بِالطَّرِيقِ مَنَازِلُ مَضْبُوطَةٌ فَيَنْزِلُ‏)‏ قَدْرَ السَّيْرِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ‏(‏عَلَيْهَا‏)‏ فَإِنْ شُرِطَ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ اُتُّبِعَ، فَإِنْ زَادَ فِي يَوْمٍ عَلَى الْمَشْرُوطِ أَوْ نَقَصَ عَنْهُ فَلَا يُجْبَرَانِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، بَلْ يَسِيرَانِ عَلَى الشَّرْطِ، وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا زِيَادَةً أَوْ نَقْصًا لِخَوْفٍ‏.‏ أُجِيبَ إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الضَّرَرُ بِهِ، أَوْ لِغَصْبٍ أَوْ لِخَوْفٍ وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ الضَّرَرُ بِهِ فَلَا يُجَابُ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَجِبُ فِي الْإِيجَارِ لِلْحَمْلِ أَنْ يَعْرِفَ الْمَحْمُولَ، فَإِنْ حَضَرَ رَآهُ وَامْتَحَنَهُ بِيَدِهِ إنْ كَانَ فِي ظَرْفٍ، وَإِنْ غَابَ قُدِّرَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، وَجِنْسُهُ لَا جِنْسَ الدَّابَّةِ، وَصِفَتَهَا إنْ كَانَتْ إجَارَةَ ذِمَّةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحْمُولُ زُجَاجًا وَنَحْوَهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَجِبُ فِي الْإِيجَارِ لِلْحَمْلِ‏)‏ إجَارَةِ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ ‏(‏أَنْ يَعْرِفَ‏)‏ مُؤَجِّرُ الدَّابَّةِ ‏(‏الْمَحْمُولَ‏)‏، لِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِهِ وَضَرَرِهِ، ‏(‏فَإِنْ حَضَرَ رَآهُ‏)‏ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي ظَرْفٍ، ‏(‏وَامْتَحَنَهُ بِيَدِهِ إنْ كَانَ فِي ظَرْفٍ‏)‏ تَخْمِينًا لِوَزْنِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ امْتِحَانُهُ بِالْيَدِ كَفَتْ الرُّؤْيَةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْوَزْنُ فِي الْحَالَيْنِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ إنْ كَانَ فِي ظَرْفٍ يُوهِمُ أَنَّ مَا يَسْتَغْنِي عَنْ الظَّرْفِ كَالْأَحْجَارِ وَالْأَخْشَابِ لَا يُمْتَحَنُ بِالْيَدِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَوْ قَالَ‏:‏ وَامْتَحَنَهُ بِيَدِهِ إنْ أَمْكَنَ لَكَانَ أَوْلَى، ‏(‏وَإِنْ غَابَ‏)‏ الْمَحْمُولُ ‏(‏قُدِّرَ بِكَيْلٍ‏)‏ فِي مَكِيلٍ ‏(‏أَوْ وَزْنٍ‏)‏ فِي مَوْزُونٍ أَوْ مَكِيلٍ، فَإِنَّ الْوَزْنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَوْلَى وَأَحْصَرُ، ‏(‏وَ‏)‏ أَنْ يَعْرِفَ ‏(‏جِنْسَهُ‏)‏ أَيْ الْمَحْمُولِ الْغَائِبِ لِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِهِ فِي الدَّابَّةِ كَمَا فِي الْحَدِيدِ وَالْقُطْنِ، فَإِنَّ الْحَدِيدَ يَثْقُلُ فِي مَحَلٍّ أَقَلَّ مِنْ الْقُطْنِ، وَالْقُطْنُ يَعُمُّهَا وَيَتَثَاقَلُ بِالرِّيحِ، فَلَوْ قَالَ‏:‏ مِائَةَ رِطْلٍ مِمَّا شِئْت صَحَّ، بَلْ وَبِدُونِ مِمَّا شِئْت كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ قَطْعِ الْأَصْحَابِ، وَيَكُونُ رِضًا مِنْهُ بِأَضَرِّ الْأَجْنَاسِ‏.‏ هَذَا فِي التَّقْدِيرِ بِالْوَزْنِ فَإِنَّهُ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ‏.‏ أَمَّا إذَا قُدِّرَ بِالْكَيْلِ، فَلَا يُغْنِي قَوْلُهُ‏:‏ عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ مِمَّا شِئْت عَنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْكَيْلِ وَقِلَّتِهِ فِي الْوَزْنِ، وَأَيْنَ ثِقَلُ الْمِلْحِ مِنْ ثِقَلِ الذُّرَةِ، وَيُحْسَبُ مِنْ الْمِائَةِ الظَّرْفُ إنْ ذَكَرَهُ كَقَوْلِهِ‏:‏ مِائَةُ رِطْلٍ حِنْطَةً بِظَرْفِهَا‏.‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ مِائَةُ رِطْلٍ حِنْطَةً أَوْ مِائَةُ قَفِيزٍ حِنْطَةً لَمْ يُحْسَبْ الظَّرْفُ فَيُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ مَعْرِفَتُهُ إنْ كَانَ يَخْتَلِفُ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ غَرَائِرُ مُتَمَاثِلَةٌ اطَّرَدَ الْعُرْفُ بِاسْتِعْمَالِهَا حُمِلَ مُطْلَقُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا‏.‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ لِتَحْمِلْ عَلَيْهَا مَا شِئْت لَمْ يَصِحَّ لِلْإِضْرَارِ بِهَا، بِخِلَافِ إجَارَةِ الْأَرْضِ لِزَرْعِهَا مَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا تُطِيقُ كُلَّ مَا تَحْمِلُ، ‏(‏لَا جِنْسَ الدَّابَّةِ وَ‏)‏ لَا ‏(‏صِفَتَهَا‏)‏ فَلَا تَجِبُ مَعْرِفَتُهَا فِي إجَارَةِ دَابَّةٍ لَحَمْلٍ ‏(‏إنْ كَانَتْ إجَارَةَ ذِمَّةٍ‏)‏ بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِيهَا فِي الرُّكُوبِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا تَحْصِيلُ الْمَتَاعِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَشْرُوطِ فَلَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ بِاخْتِلَافِ حَامِلِهِ ‏(‏إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحْمُولُ زُجَاجًا‏)‏ بِتَثْلِيثِ الزَّايِ ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏ كَخَزَفٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ حَالِ الدَّابَّةِ فِي ذَلِكَ صِيَانَةً لَهُ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنْ يَكُونَ فِي الطَّرِيقِ وَحْلٌ أَوْ طِينٌ‏.‏ أَمَّا إجَارَةُ عَيْنِ دَابَّةٍ لِحَمْلٍ فَيُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهَا وَتَعْيِينُهَا كَمَا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ لِلرُّكُوبِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْقُرَبِ‏]‏

المتن‏:‏

لَا تَصِحُّ إجَارَةُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ وَلَا عِبَادَةٍ تَجِبُ لَهَا نِيَّةٌ إلَّا حَجٌّ وَتَفْرِقَةُ زَكَاةٍ، وَتَصِحُّ لِتَجْهِيزِ مَيِّتٍ وَدَفْنِهِ، وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْقُرَبِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الشَّرْطِ الرَّابِعِ، وَهُوَ حُصُولُ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ‏.‏ وَالْقُرَبُ عَلَى قِسْمَيْنِ‏:‏ مَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، وَمَا لَا يَحْتَاجُ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي إنْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ شَائِعًا فِي الْأَصْلِ أَوْ لَا، وَقَدْ شَرَعَ فِيمَا هُوَ شَائِعٌ فِي الْأَصْلِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏لَا تَصِحُّ‏)‏ مِنْ إمَامٍ وَغَيْرِهِ ‏(‏إجَارَةُ مُسْلِمٍ‏)‏ وَلَوْ عَبْدًا ‏(‏لِجِهَادٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا حَضَرَ الصَّفَّ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُسْلِمِ عَنْ الذِّمِّيِّ، وَهُوَ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَامِ، أَمَّا الْآحَادُ فَيُمْتَنَعُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ‏.‏ ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَلَا عِبَادَةٍ‏)‏ أَيْ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ لِعِبَادَةٍ ‏(‏تَجِبُ لَهَا نِيَّةٌ‏)‏ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، إذْ الْقَصْدُ مِنْهَا امْتِحَانُ الْمُكَلَّفِ بِكَسْرِ نَفْسِهِ بِفِعْلِهَا، وَلَا يَقُومُ الْأَجِيرُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ، وَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ أُجْرَةَ مَا عَمِلَ‏؟‏ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِمْ فِي النَّفَقَاتِ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ لَا يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ أُجْرَةً لِلْعَمَلِ وَإِنْ عَمِلَ طَامِعًا فِي الْأُجْرَةِ عُدِمَ الِاسْتِحْقَاقُ، ‏(‏إلَّا‏)‏ الِاسْتِئْجَارَ لِقُرْبَةٍ مِنْ ‏(‏حَجٍّ‏)‏ أَوْ عُمْرَةٍ، وَرَكْعَتَيْ طَوَافٍ تَبَعًا لَهُمَا عَنْ مَيِّتٍ أَوْ عَاجِزٍ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِهِ، ‏(‏وَتَفْرِقَةِ زَكَاةٍ‏)‏ وَصَوْمٍ عَنْ مَيِّتٍ وَذَبْحِ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ وَنَحْوِهَا فَيَجُوزُ‏.‏ وَضَابِطُ هَذَا‏:‏ أَنَّ كُلَّ مَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنْ الْعِبَادَةِ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَمَا لَا فَلَا‏.‏ ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ غَيْرُ شَائِعٍ فِي الْأَصْلِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ الْإِجَارَةُ ‏(‏لِتَجْهِيزِ مَيِّتٍ‏)‏ كَغُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ ‏(‏وَدَفْنِهِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ‏)‏ أَوْ بَعْضِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَيْسَ بِشَائِعٍ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَى الْأَجِيرِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِفِعْلِهِ حَتَّى يَقَعَ عَنْهُ، وَلَا يَضُرُّ عُرُوضٌ تُعَيِّنُهُ عَلَيْهِ كَالْمُضْطَرِّ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ إطْعَامُهُ مَعَ تَغْرِيمِهِ الْبَدَلَ‏.‏ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ خَبَرَ ‏{‏إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ‏}‏‏.‏ وَمَعْنَى عَدَمِ شُيُوعِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فِي الْأَصْلِ فِي تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ أَنَّ تَجْهِيزَ الْمَيِّتِ يَخْتَصُّ بِالتَّرِكَةِ، ثُمَّ بِمَالِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بِهَا، وَفِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَنَّ التَّعْلِيمَ بِالْمُؤَنِ يَخْتَصُّ بِمَالِ الْمُتَعَلِّمِ ثُمَّ بِمَالِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

احْتَجَّ بَعْضُهُمْ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِعَامِلِ الصَّدَقَةِ، فَإِنَّهَا أُجْرَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَذِكْرُ الدَّفْنِ بَعْدَ التَّجْهِيزِ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ لِدُخُولِهِ فِيهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْته، وَلَا تَكْرَارَ فِي ذِكْرِ التَّعْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عِبَادَةٌ، وَفِيمَا مَرَّ مِنْ حَيْثُ التَّقْدِيرُ، وَقَدْ مَرَّ عَنْ النَّصِّ أَنَّ الْقُرْآنَ بِالتَّعْرِيفِ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى جَمِيعِهِ، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ يَنْبَغِي تَنْكِيرُهُ، فَإِنَّ بَعْضَهُ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ، وَتَقْيِيدُهُ التَّعْلِيمَ بِالْقُرْآنِ قَدْ يُفْهِمُ امْتِنَاعَ الِاسْتِئْجَارِ لِتَدْرِيسِ الْعِلْمِ، وَهُوَ كَذَلِكَ‏.‏ نَعَمْ إنْ عَيَّنَ أَشْخَاصًا وَمَسَائِلَ مَضْبُوطَةً يُعَلِّمُهَا لَهُمْ جَازَ، وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَى الْأَجِيرِ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ‏.‏ وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُهُ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْقَضَاءِ، وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِشِعَارٍ غَيْرِ فَرْضٍ كَالْآذَانِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ مَعَ زِيَادَةٍ، وَالْأُجْرَةُ تُؤْخَذُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ، وَلَا يَبْعُدُ اسْتِحْقَاقُهَا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - كَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، لَا عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ، وَلَا عَلَى رِعَايَةِ الْوَقْتِ، وَلَا عَلَى الْحَيْعَلَتَيْنِ كَمَا قِيلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِلْإِمَامَةِ وَلَوْ نَافِلَةً‏:‏ كَالتَّرَاوِيحِ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهَا مِنْ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ لَا تَحْصُلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ بَلْ لِلْأَجِيرِ، وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِلْمُبَاحَاتِ كَالِاصْطِيَادِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ، وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ بَيْتٍ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ‏.‏ وَصُورَتُهُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الِانْتِصَارِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِلصَّلَاةِ‏.‏ أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَجْعَلَهُ مَسْجِدًا فَلَا يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَلِحَضَانَةٍ وَإِرْضَاعٍ مَعًا، وَلِأَحَدِهِمَا فَقَطْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَتْبِعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَالْحَضَانَةُ حِفْظُ صَبِيٍّ وَتَعَهُّدُهُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَدَهْنِهِ وَكَحْلِهِ وَرَبْطِهِ فِي الْمَهْدِ وَتَحْرِيكِهِ لِيَنَامَ وَنَحْوِهَا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لَهُمَا فَانْقَطَعَ اللَّبَنُ فَالْمَذْهَبُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي الْإِرْضَاعِ دُونَ الْحَضَانَةِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ فِي الْمَنْفَعَةِ‏:‏ أَنْ لَا يَتَضَمَّنَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ قَصْدًا، فَاسْتِئْجَارُ الْبُسْتَانِ لِثَمَرَتِهِ، وَالشَّاةِ لِصُوفِهَا أَوْ نِتَاجِهَا أَوْ لَبَنِهَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُمْلَكُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ قَصْدًا، بِخِلَافِ مَا إذَا تَضَمَّنَ اسْتِيفَاءَهَا تَبَعًا لِلضَّرُورَةِ أَوْ حَاجَةٍ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَ‏)‏ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَلَوْ مِنْ زَوْجٍ كَمَا سَبَقَ ‏(‏لِحَضَانَةٍ‏)‏ أَيْ حَضَانَةِ امْرَأَةٍ لِوَلَدٍ ‏(‏وَإِرْضَاعٍ‏)‏ لَهُ ‏(‏مَعًا‏)‏، نُصِبَ عَلَى الْحَالِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا، ‏(‏وَلِأَحَدِهِمَا فَقَطْ‏)‏‏.‏ أَمَّا الْحَضَانَةُ فَلِأَنَّهَا نَوْعُ خِدْمَةٍ، وَهِيَ نَوْعَانِ‏:‏ صُغْرَى وَكُبْرَى، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا‏.‏

وَأَمَّا الْإِرْضَاعُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ‏}‏ الْآيَةَ، وَإِذَا جَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْإِرْضَاعِ وَحْدَهُ، فَلَهُ مَعَ الْحَضَانَةِ أَوْلَى، فَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ‏.‏ وَمَرَّ أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الْإِرْضَاعِ يُقَدَّرُ بِالْمُدَّةِ فَقَطْ‏.‏ وَيَجِبُ تَعْيِينُ الرَّضِيعِ‏.‏ قَالَ فِي الْبَحْرِ‏:‏ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِالْمُشَاهَدَةِ‏:‏ أَيْ أَوْ بِالْوَصْفِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْحَاوِي لِاخْتِلَافِ شُرْبِهِ بِاخْتِلَافِ سِنِّهِ‏.‏ وَتَعْيِينُ مَوْضِعِ الْإِرْضَاعِ أَهُوَ بَيْتُهُ أَوْ بَيْتُهَا‏؟‏ لِأَنَّهُ فِي بَيْتِهِ أَشَدُّ تَوَثُّقًا بِهِ، وَفِي بَيْتِهَا أَسْهَلُ عَلَيْهَا، قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَعَلَى الْمُرْضِعَةِ أَنْ تَأْكُلَ وَتَشْرَبَ كُلَّ مَا يَكْثُرُ بِهِ اللَّبَنُ، وَلِلْمُكْتَرِي تَكْلِيفُهَا بِذَلِكَ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ أَيْ وَالصَّيْمَرِيُّ وَالرُّويَانِيُّ‏:‏ إنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ أَكْلِ مَا يَضُرُّ بِلَبَنِهَا‏.‏ ا هـ‏.‏

وَهَذَا أَظْهَرُ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُهُمْ فِي النَّفَقَاتِ‏:‏ لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ تَنَاوُلِ مَا يَضُرُّ بِهَا، وَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ الرَّضِيعُ ثَدْيَهَا فَفِي انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ وَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي، وَيَنْبَغِي عَدَمُ الِانْفِسَاخِ وَثُبُوتُ الْخِيَارِ، فَفِي الْحَاوِي وَالْبَحْرِ أَنَّ الطِّفْلَ إذَا لَمْ يَشْرَبْ لَبَنَهَا لِقِلَّةٍ فِي اللَّبَنِ فَهُوَ عَيْبٌ يُثْبِتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخَ، وَلَوْ سَقَتْهُ لَبَنَ غَيْرِهَا اسْتَحَقَّتْ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَتْ إجَارَةَ ذِمَّةٍ، وَإِلَّا فَلَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صِحَّةُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى إرْضَاعِ اللِّبَأِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ إرْضَاعُهُ وَاجِبًا عَلَى الْأُمِّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِ النَّفَقَاتِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ‏.‏ وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِجَارَةِ لِلرَّضَاعِ بُلُوغُ الْمُرْضِعَةِ تِسْعَ سِنِينَ كَمَا فِي الْبَيَانِ، وَخَرَجَ بِالْمَرْأَةِ الْبَهِيمَةُ كَاسْتِئْجَارِ الشَّاةِ لِإِرْضَاعِ سَخْلَةٍ أَوْ طِفْلٍ فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأُولَى وَالْبُلْقِينِيُّ فِي الثَّانِيَةِ، قَالَ‏:‏ بِخِلَافِ اسْتِئْجَارِ الْمَرْأَةِ لِإِرْضَاعِ السَّخْلَةِ فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهُ ‏(‏وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَتْبِعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ‏)‏ فِي الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مَنْفَعَتَانِ، وَيَجُوزُ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْمَنْعِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ نَعَمْ لِلْعَادَةِ بِتَلَازُمِهِمَا‏.‏ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْحَضَانَةِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَالْحَضَانَةُ‏)‏ الْكُبْرَى ‏(‏حِفْظُ صَبِيٍّ‏)‏ أَيْ جِنْسِهِ الصَّادِقِ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، ‏(‏وَتَعْهَدُهُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ‏)‏ وَتَطْهِيرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ، ‏(‏وَدَهْنِهِ‏)‏ بِفَتْحِ الدَّالِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ‏.‏

وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهُ عَلَى الْأَبِ، فَإِنْ جَرَى عُرْفُ الْبَلَدِ بِخِلَافِهِ فَوَجْهَانِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا اتِّبَاعُ الْعُرْفِ، ‏(‏وَكَحْلِهِ‏)‏ وَإِضْجَاعِهِ ‏(‏وَرَبْطِهِ فِي الْمَهْدِ‏)‏ وَهُوَ سَرِيرُ الرَّضِيعِ ‏(‏وَتَحْرِيكِهِ‏)‏ عَلَى الْعَادَةِ ‏(‏لِيَنَامَ وَنَحْوِهَا‏)‏ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الرَّضِيعُ؛ لِاقْتِضَاءِ اسْمِ الْحَضَانَةِ عُرْفًا لِذَلِكَ؛ وَلِحَاجَةِ الرَّضِيعِ إلَيْهَا‏.‏ وَاشْتِقَاقُهَا مِنْ الْحِضْنِ بِكَسْرِ الْحَاءِ‏.‏ وَهُوَ مَا تَحْتَ الْإِبْطِ وَمَا يَلِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَاضِنَةَ تَجْعَلُ الْوَلَدَ هُنَالِكَ‏.‏ وَالْإِرْضَاعُ وَيُسَمَّى الْحَضَانَةَ الصُّغْرَى‏:‏ أَنْ تُلْقِمَهُ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي حِجْرِهَا مَثَلًا الثَّدْيَ وَتَعْصِرَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إذَا اسْتَأْجَرَ لِلْحَضَانَةِ وَالْإِرْضَاعِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ كِلَاهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَقْصُودَانِ، وَقِيلَ‏:‏ اللَّبَنُ وَالْحَضَانَةُ تَابِعَةٌ، وَقِيلَ‏:‏ عَكْسُهُ، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ لِلرَّضَاعِ فَقَطْ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْحَضَانَةُ الصُّغْرَى، وَاللَّبَنُ تَابِعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}‏، عَلَّقَ الْأُجْرَةَ بِفِعْلِ الْإِرْضَاعِ لَا بِاللَّبَنِ؛ وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلْمَنَافِعِ كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا الْأَعْيَانُ تَبَعٌ لِلضَّرُورَةِ، ‏(‏وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لَهُمَا‏)‏ أَيْ الْحَضَانَةِ وَالْإِرْضَاعِ ‏(‏فَانْقَطَعَ اللَّبَنُ فَالْمَذْهَبُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي الْإِرْضَاعِ‏)‏، وَيَسْقُطُ قِسْطُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ ‏(‏دُونَ الْحَضَانَةِ‏)‏، فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهَا بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ خِلَافِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَلَوْ أَتَى بِاللَّبَنِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ وَلَمْ يَتَضَرَّرْ الْوَلَدُ جَازَ‏.‏

المتن‏:‏

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ حِبْرٌ وَخَيْطٌ وَكُحْلٌ عَلَى وَرَّاقٍ وَخَيَّاطٍ وَكَحَّالٍ‏.‏ قُلْت‏:‏ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الرُّجُوعَ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ، فَإِنْ اضْطَرَبَتْ وَجَبَ الْبَيَانُ وَإِلَّا فَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْقَنَاةِ وَهِيَ الْجَدْوَلُ الْمَحْفُورُ لِلزِّرَاعَةِ بِمَائِهَا الْجَارِي إلَيْهَا مِنْ النَّهْرِ لِلْحَاجَةِ، لَا اسْتِئْجَارُ قَرَارِهَا دُونَ الْمَاءِ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَكُونَ أَحَقَّ بِمَائِهَا الَّذِي يَتَحَصَّلُ فِيهَا بِالْمَطَرِ وَالثَّلْجِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَجْرِيَ فِيهَا الْمَاءُ أَوْ لِيَحْبِسَ الْمَاءَ فِيهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ فِيهَا السَّمَكُ، وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْبِئْرِ لِلِاسْتِقَاءِ مِنْ مَائِهَا لِلْحَاجَةِ، لَا اسْتِئْجَارُ الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا ‏(‏وَالْأَصَحُّ‏)‏ وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالْمَشْهُورِ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِالْمَذْهَبِ ‏(‏أَنَّهُ لَا يَجِبُ حِبْرٌ‏)‏ بِكَسْرِ الْحَاءِ - اسْمٌ لِلْمِدَادِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏خَيْطٌ وَ‏)‏ لَا ‏(‏كُحْلٌ‏)‏ وَلَا ذَرُورٌ وَلَا صِبْغٌ وَلَا طَلْعُ نَخْلٍ ‏(‏عَلَى وَرَّاقٍ‏)‏ أَيْ نَاسِخٍ، وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ الَّذِي يُورِقُ وَيَكْتُبُ‏.‏ أَمَّا بَيَّاعُ الْوَرِقِ فَيُقَالُ لَهُ كَاغَدِيٌّ ‏(‏وَ‏)‏ لَا عَلَى ‏(‏خَيَّاطٍ وَ‏)‏ لَا ‏(‏كَحَّالٍ‏)‏ وَصَبَّاغٍ وَمُلَقِّحٍ فِي اسْتِئْجَارِهِمْ لِذَلِكَ اقْتِصَارًا عَلَى مَدْلُولِ اللَّفْظِ، وَالْأَعْيَانُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْإِجَارَةِ، وَأَمْرُ اللَّبَنِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلضَّرُورَةِ، ‏(‏قُلْت‏:‏ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الرُّجُوعَ فِيهِ‏)‏ أَيْ الْمَذْكُورِ ‏(‏إلَى الْعَادَةِ‏)‏ لِلنَّاسِ، إذْ لَا ضَبْطَ فِي الشَّرْعِ، وَلَا فِي اللُّغَةِ، وَلَمْ يُعَبِّرْ الرَّافِعِيُّ بِالْأَصَحِّ بَلْ بِالْأَشْبَهِ، ثُمَّ قَالَ ‏(‏فَإِنْ اضْطَرَبَتْ‏)‏ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَادَةٌ كَمَا فَهِمَ بِالْأُولَى ‏(‏وَجَبَ الْبَيَانُ، وَإِلَّا‏)‏ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُبَيَّنْ ‏(‏فَتَبْطُلُ‏)‏ أَيْ لَمْ تَنْعَقِدْ ‏(‏الْإِجَارَةُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -‏)‏؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ عِنْدَ تَرَدُّدِ الْعَادَةِ وَعَدَمِ التَّقْيِيدِ يَلْتَحِقُ بِالْمُجْمَلَاتِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَقْدُ عَلَى الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَيْنِ لَمْ يَجِبْ غَيْرُ نَفْسِ الْعَمَلِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَتْنِ تَرْجِيحٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، بَلْ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ نَقَلَ اخْتِلَافَ تَرْجِيحِ الرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ‏:‏ إنَّ إيرَادَ كَلَامِ الشَّرْحِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِدْرَاكِ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ تَصْحِيحَهُ لَمْ يَتَعَقَّبْهُ بِمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَدْ يُقَالُ بِتَرْجِيحِ مَا فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِمَا فِي الشَّرْحِ لَمْ يُرَجِّحْهُ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْحِبْرَ وَنَحْوَهُ عَلَى الْوَرَّاقِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجِبْ تَقْدِيرُهُ، وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ عَلَيْهِ وَشُرِطَ عَلَيْهِ فَسَدَ الْعَقْدُ، وَيَلْحَقُ بِمَا ذُكِرَ قَلَمُ النُّسَّاخِ وَمِرْوَدُ الْكَحَّالِ وَإِبْرَةُ الْخَيَّاطِ‏.‏

وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ عَلَى عَمَلِ النِّعَالِ، فَإِنْ ابْتَاعَ النَّعْلَيْنِ وَالشِّرَاكَيْنِ ثُمَّ اسْتَأْجَرَهُ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى الْعَمَلِ - صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا نُقِلَ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ‏:‏ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الصَّبَّاغِ وَالْخَيَّاطِ مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ بِاطِّرَادِ الْعَادَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فيما يجب على المؤجر والمستأجر‏]‏

المتن‏:‏

يَجِبُ تَسْلِيمُ مِفْتَاحِ الدَّارِ إلَى الْمُكْتَرِي، وَعِمَارَتُهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ، فَإِنْ بَادَرَ وَأَصْلَحَهَا، وَإِلَّا فَلِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ، وَكَسْحُ الثَّلْجِ عَنْ السَّطْحِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، وَتَنْظِيفُ عَرْصَةِ الدَّارِ عَنْ ثَلْجٍ وَكُنَاسَةٍ عَلَى الْمُكْتَرِي‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى مُكْرِي دَارٍ أَوْ دَابَّةٍ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏يَجِبُ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏تَسْلِيمُ مِفْتَاحِ الدَّارِ إلَى الْمُكْتَرِي‏)‏ إذَا سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِتَوَقُّفِ الِانْتِفَاعِ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ فَلِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ، وَلَا يَأْثَمُ الْمُكْرِي بِالْمَنْعِ مِنْ التَّسْلِيمِ لِمَا سَيَأْتِي، وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي مُدَّةِ الْمَنْعِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَإِذَا تَسَلَّمَهُ الْمُكْتَرِي فَهُوَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ فَلَا يَضْمَنُهُ بِلَا تَفْرِيطٍ، وَإِذَا ضَاعَ مِنْهُ بِلَا تَفْرِيطٍ وَلَمْ يُبَدِّلْهُ الْمُكْرِي لَهُ ثَبَتَ لَهُ الْفَسْخُ، وَلَا يُجْبَرُ الْمُكْرِي عَلَى الْإِبْدَالِ، هَذَا فِي مِفْتَاحِ غَلْقٍ مُثْبَتٍ‏.‏ أَمَّا الْقُفْلُ الْمَنْقُولُ وَمِفْتَاحُهُ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُكْتَرِي وَإِنْ اُعْتِيدَ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُ بِمَنْعِهِ مِنْهُمَا خِيَارٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دُخُولِ الْمَنْقُولِ فِي الْعَقْدِ الْوَاقِعِ عَلَى الْعَقَارِ، وَالْمِفْتَاحُ تَابِعٌ لِلْغَلْقِ، ‏(‏وَ‏)‏ لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ‏(‏عِمَارَتُهَا‏)‏ بَلْ هِيَ ‏(‏عَلَى الْمُؤَجِّرِ‏)‏ سَوَاءٌ أَقَارَنَ الْخَلَلُ الْعَقْدَ كَدَارٍ لَا بَابَ لَهَا أَمْ عَرَضَ لَهَا دَوَامًا‏؟‏ وَسَوَاءٌ أَكَانَ لَا يُحْتَاجُ لَعَيْنٍ زَائِدَةٍ كَإِقَامَةِ مَائِلٍ أَمْ يُحْتَاجُ‏:‏ كَبِنَاءٍ وَتَطْيِينٍ‏؟‏ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى عِمَارَتِهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ بَادَرَ وَأَصْلَحَهَا‏)‏ بِالْعِمَارَةِ فَذَاكَ، ‏(‏وَإِلَّا فَلِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ‏)‏ إنْ نَقَصَتْ الْمَنْفَعَةُ لِتَضَرُّرِهِ، فَإِذَا وَكَفَ الْبَيْتُ‏:‏ أَيْ قَطَرَ سَقْفُهُ فِي الْمَطَرِ لِتَرْكِ التَّطْيِينِ ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، فَإِذَا انْقَطَعَ زَالَ الْخِيَارُ، إلَّا إذَا حَصَلَ بِسَبَبِهِ نَقْصٌ وَهَذَا فِي الْخَلَلِ الْحَادِثِ‏.‏ أَمَّا الْمُقَارِنُ لِلْعَقْدِ إذَا عَلِمَ بِهِ فَلَا خِيَارَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ عَدَمِ وُجُوبِ الْعِمَارَةِ فِي الْمُطْلَقِ‏.‏ أَمَّا الْوَقْفُ فَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ عِمَارَتَهُ حَيْثُ كَانَ فِيهِ رِيعٌ كَمَا أَوْضَحُوهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ، وَفِي مَعْنَاهُ الْمُتَصَرِّفُ بِالِاحْتِيَاطِ كَوَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُعَمِّرْ فَسَخَ الْمُسْتَأْجِرُ الْإِجَارَةَ وَتَضَرَّرَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ الْحَرِيقَ وَالنَّهْبَ وَغَيْرَهُمَا، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ وَرَدُّ الْأُجْرَةِ إنْ تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ، وَإِذَا سَقَطَتْ الدَّارُ عَلَى مَتَاعِ الْمُسْتَأْجِرِ لَمْ يَلْزَمْ الْمُؤَجِّرَ ضَمَانُهُ وَلَا أُجْرَةُ تَخْلِيصِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ، وَلَوْ غُصِبَتْ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ وَقَدَرَ الْمَالِكُ عَلَى انْتِزَاعِهَا لَزِمَهُ كَمَا بَحَثَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا، وَلَكِنْ اعْتَرَضَ بِأَنَّ مَا بَحَثَهُ هُنَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ آخِرَ الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهَا الْحَرِيقَ وَالنَّهْبَ وَغَيْرَهُمَا كَمَا مَرَّ‏.‏ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَاكَ فِيمَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ أَوْ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ إلَّا بِكُلْفَةٍ، وَمَا هُنَا بِخِلَافِهِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ أَوْ لِعَدَمِ الْكُلْفَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏:‏ وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ اللُّزُومِ فِي الْحَالَيْنِ، ‏(‏وَكَسْحُ‏)‏ أَيْ رَفْعُ ‏(‏الثَّلْجِ عَنْ السَّطْحِ‏)‏ فِي دَوَامِ الْإِجَارَةِ ‏(‏عَلَى الْمُؤَجِّرِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ كَعِمَارَةِ الدَّارِ، فَإِنْ تَرَكَهُ وَحَدَث بِهِ عَيْبٌ ثَبَتَ لِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي دَارٍ لَا يَنْتَفِعُ سَاكِنُهَا بِسَطْحِهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ جَمَلُونَاتٌ، وَإِلَّا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَالْعَرْصَةِ، ‏(‏وَتَنْظِيفُ عَرْصَةِ الدَّارِ‏)‏ وَهِيَ بُقْعَةٌ بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ، وَجَمْعُهَا عِرَاصٌ وَعَرَصَاتٍ ‏(‏عَنْ ثَلْجٍ وَكُنَاسَةٍ عَلَى الْمُكْتَرِي‏)‏، إنْ حَصَلَا فِي دَوَامِ الْمُدَّةِ‏.‏ أَمَّا الْكُنَاسَةُ، وَهِيَ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْقُشُورِ وَنَحْوِهِ فَلِحُصُولِهَا بِفِعْلِهِ بِخِلَافِ التُّرَابِ الَّذِي يَجْتَمِعُ لِهُبُوبِ الرِّيحِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرُ‏.‏

وَأَمَّا الثَّلْجُ؛ فَلِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَالُ الِانْتِفَاعِ لَا أَصْلُهُ، وَهُوَ مِمَّا يُتَسَامَحُ بِنَقْلِهِ عُرْفًا‏.‏ نَعَمْ إنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ أُجْبِرَ عَلَى نَقْلِ الْكُنَاسَةِ، دُونَ الثَّلْجِ، قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ، وَلَوْ كَانَ التُّرَابُ أَوْ الرَّمَادُ أَوْ الثَّلْجُ الْخَفِيفُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ إزَالَتَهُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، إذْ يَحْصُلُ بِهِ التَّسْلِيمُ التَّامُّ، وَنَقْلُ رَمَادِ الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ فِي الِانْتِهَاءِ مِنْ وَظِيفَةِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ، وَتَفْرِيغُ الْبَالُوعَةِ وَمُنْتَقَعِ الْحَمَّامِ وَالْحَشِّ عَلَى الْمُكْتَرِي فِي الدَّوَامِ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْمُدَّةُ، وَعَلَى الْمَالِكِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ‏.‏ وَفَارَقَ حُكْمُ الِانْتِهَاءِ هُنَا حُكْمَهُ فِيمَا قَبْلَهُ‏:‏ بِأَنَّ الْحَادِثَ هُنَا مَعَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ضَرُورِيٌّ بِخِلَافِهِ ثَمَّ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ تَسْلِيمُ بِئْرِ الْحَشِّ وَالْبَالُوعَةِ وَهُمَا فَارِغَانِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ مَا ذُكِرَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ إجْبَارَهُ عَلَيْهِ، بَلْ إنَّهُ مِنْ وَظِيفَتِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي بَعْض الصُّوَرِ، حَتَّى إذَا تَرَكَ الْمُؤَجِّرُ مَا عَلَيْهِ ثَبَتَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ، أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ مَا عَلَيْهِ وَتَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ لَا خِيَارَ لَهُ، وَيُمْنَعُ مُسْتَأْجِرُ دَارٍ لِلسُّكْنَى مِنْ طَرْحِ الرَّمَادِ وَالتُّرَابِ فِي أَصْلِ حَائِطِ الدَّارِ، وَمِنْ رَبْطِ الدَّابَّةِ فِيهَا إلَّا إنْ اُعْتِيدَ رَبْطُهَا فِيهَا، فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ أَجَّرَ دَابَّةً لِرُكُوبٍ فَعَلَى الْمُؤَجِّرِ إكَافٌ وَبَرْذَعَةٌ وَحِزَامٌ وَثَفَرٌ وَبُرَةٌ وَخِطَامٌ، وَعَلَى الْمُكْتَرِي مَحْمِلٌ وَمِظَلَّةٌ وَوِطَاءٌ وَغِطَاءٌ وَتَوَابِعُهَا، وَالْأَصَحُّ فِي السَّرْجِ اتِّبَاعُ الْعُرْفِ، وَظَرْفُ الْمَحْمُولِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ، وَعَلَى الْمُكْتَرِي فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ، وَعَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ الْخُرُوجُ مَعَ الدَّابَّةِ لِتَعَهُّدِهَا، وَإِعَانَةُ الرَّاكِبِ فِي رُكُوبِهِ وَنُزُولِهِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَرَفْعُ الْمَحْمِلِ وَحَطُّهُ، وَشَدُّ الْمَحْمِلِ وَحَلُّهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ إلَّا التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْمُكْتَرِي وَالدَّابَّةِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الثَّانِي، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ أَجَّرَ دَابَّةً لِرُكُوبٍ‏)‏ إجَارَةِ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ وَأَطْلَقَ ‏(‏فَعَلَى الْمُؤَجِّرِ إكَافٌ‏)‏ وَقَدْ مَرَّ ضَبْطُهُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ‏.‏ وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ هُنَا بِغَيْرِ الْبَرْذَعَةِ لِقَوْلِهِ‏:‏ وَبَرْذَعَةٌ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ‏.‏ وَحُكِيَ إهْمَالُهَا‏.‏ وَفَسَّرَهَا الْجَوْهَرِيُّ بِالْحِلْسِ الَّذِي يُلْقَى تَحْتَ الرَّحْلِ، وَمَنْ يُفَسِّرُ الْإِكَافَ بِالْبَرْذَعَةِ كَصَاحِبِ الْفَصِيحِ يَشْكُلُ عَلَيْهِ عَطْفُ الْمُصَنِّفِ الْبَرْذَعَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَطْفِ التَّفْسِيرِ، ‏(‏وَحِزَامٌ‏)‏ بِكَسْرِ الْحَاءِ بِخَطِّهِ‏:‏ مَا يُشَدُّ بِهِ الْإِكَافُ ‏(‏وَثَفَرٌ‏)‏ بِمُثَلَّثَةٍ وَفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ بِخَطِّهِ‏:‏ مَا يُجْعَلُ تَحْتَ ذَنَبِ الدَّابَّةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمُجَاوَرَتِهِ ثَفْرَ الدَّابَّةِ بِسُكُونِ الْفَاءِ وَهُوَ حَيَاؤُهَا، ‏(‏وَبُرَةٌ‏)‏ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ‏:‏ حَلْقَةٌ تُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ، ‏(‏وَخِطَامٌ‏)‏ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ‏:‏ خَيْطٌ يُشَدُّ فِي الْبُرَةِ ثُمَّ يُشَدُّ فِي طَرَفِ الْمِقْوَدِ بِكَسْرِ الْمِيمِ؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَلَا يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ، وَالْعُرْفُ مُطَّرِدٌ بِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا تَجِبُ هَذِهِ الْأُمُورُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ لِلرُّكُوبِ، وَإِنْ شَرَطَ مَا ذُكِرَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ شَرَطَ عَدَمَ ذَلِكَ كَأَجَّرْتُكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ عُرْيًا بِلَا حِزَامٍ وَلَا إكَافٍ وَلَا غَيْرِهِمَا اُتُّبِعَ الشَّرْطُ، ‏(‏وَعَلَى الْمُكْتَرِي مَحْمِلٌ‏)‏ وَقَدْ مَرَّ ضَبْطُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ ‏(‏وَمِظَلَّةٌ‏)‏ يُظَلَّلُ بِهَا عَلَى الْمَحْمِلِ، وَمَرَّ ضَبْطُهَا فِي بَابِ الصُّلْحِ، ‏(‏وَوِطَاءٌ وَغِطَاءٌ‏)‏ بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا مَمْدُودَيْنِ‏.‏ وَالْأَوَّلُ‏:‏ مَا يُفْرَشُ فِي الْمَحْمِلِ، وَالثَّانِي مَا يُغَطَّى بِهِ، ‏(‏وَتَوَابِعُهَا‏)‏ كَالْحَبْلِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْمَحْمِلُ عَلَى الْبَعِيرِ، أَوْ أَحَدِ الْمَحْمِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَهُمَا عَلَى الْبَعِيرِ أَوْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تُرَادُ لِكَمَالِ الِانْتِفَاعِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْإِجَارَةِ، ‏(‏وَالْأَصَحُّ‏)‏ وَفِي الْمُحَرَّرِ الْأَشْبَهُ ‏(‏فِي السَّرْجِ‏)‏ لِلْفَرَسِ الْمُؤَجَّرِ ‏(‏اتِّبَاعُ الْعُرْفِ‏)‏ فِي مَوْضِعِ الْإِجَارَةِ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ عَلَى الْمُؤَجِّرِ كَالْإِكَافِ، ‏(‏وَظَرْفُ الْمَحْمُولِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ‏)‏ الدَّابَّةِ لِلْحَمْلِ إجَارَةَ ‏(‏الذِّمَّةِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ النَّقْلَ فَلْيُهَيِّئْ أَسْبَابَهُ، وَالْعَادَةُ مُؤَيِّدَةٌ لَهُ، ‏(‏وَعَلَى الْمُكْتَرِي فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا تَسْلِيمُ الدَّابَّةِ بِالْإِكَافِ وَنَحْوِهِ كَمَا سَيَأْتِي، ‏(‏وَعَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ الْخُرُوجُ مَعَ الدَّابَّةِ‏)‏ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ ‏(‏لِتَعَهُّدِهَا‏)‏ وَصَوْنِهَا، ‏(‏وَ‏)‏ عَلَيْهِ أَيْضًا ‏(‏إعَانَةُ الرَّاكِبِ فِي رُكُوبِهِ‏)‏ الدَّابَّةَ ‏(‏وَنُزُولِهِ‏)‏ عَنْهَا ‏(‏بِحَسَبِ الْحَاجَةِ‏)‏، وَتُرَاعَى الْعَادَةُ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِعَانَةِ فَيُنِيخُ الْبَعِيرَ لِامْرَأَةٍ وَضَعِيفٍ بِمَرَضٍ أَوْ هَرَمٍ أَوْ سِمَنٍ مُفْرِطٍ وَنَحْوِهَا، وَيُقَرِّبُ الْحِمَارَ وَالْبَغْلَ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ الرُّكُوبُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ النَّقْلَ وَالتَّبْلِيغَ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِهَذِهِ الْأُمُورِ، وَلَا يَلْزَمُهُ إنَاخَةُ الْبَعِيرِ لِقَوِيٍّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْبَعِيرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لِرُكُوبِهِ تَعَلَّقَ بِهِ وَرَكِبَ وَإِلَّا شَبَّكَ الْجَمَّالُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ لِيَرْقَى عَلَيْهَا وَيَرْكَبَ، وَالِاعْتِبَارُ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ بِحَالَةِ الرُّكُوبِ لَا بِحَالَةِ الْعَقْدِ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا الْوُقُوفُ لِيَنْزِلَ الرَّاكِبُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالطَّهَارَةِ وَصَلَاةِ الْفَرْضِ، وَانْتِظَارُ فَرَاغِهِ مِنْهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّخْفِيفِ وَلَا الْقَصْرُ وَلَا الْجَمْعُ، وَلَيْسَ لَهُ التَّطْوِيلُ وَلَوْ كَانَ عَادَتُهُ ذَلِكَ، فَإِنْ طَوَّلَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ فَلِلْمُؤَجِّرِ الْفَسْخُ، وَلَيْسَ لَهُ أَيْضًا النُّزُولُ لِمَا يَتَأَتَّى فِعْلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَافِلَةٍ، وَلَهُ النَّوْمُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي وَقْتِ الْعَادَةِ دُونَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ النَّائِمَ يَثْقُلُ، وَفِي لُزُومِ الرَّجُلِ الْقَوِيِّ النُّزُولَ الْمُعْتَادَ لِلْإِرَاحَةِ، وَفِي الْعَقَبَاتِ وَجْهَانِ‏:‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ وُجُوبَهُ فِي الْعَقَبَةِ فَقَطْ، وَلَا يَجِبُ النُّزُولُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْمَرِيضِ وَالشَّيْخِ الْعَاجِزِ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهِمْ مَنْ لَهُ وَجَاهَةٌ ظَاهِرَةٌ وَشُهْرَةٌ يَحِلُّ مُرُوءَتُهُ فِي الْعَادَةِ الْمَشْيُ، ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى الْمُؤَجِّرِ الْمَذْكُورِ ‏(‏رَفْعُ الْمَحْمِلِ‏)‏ بِكَسْرِ الْمِيمِ بِخَطِّهِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ ‏(‏وَحَطُّهُ‏)‏ عَلَى ظَهْرِهَا، وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَشَدُّ الْمَحْمِلِ‏)‏ بِكَسْرِ الْمِيم بِخَطِّهِ يَصْدُقُ بِشَدِّ أَحَدِ الْمَحْمِلَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، ‏(‏وَحَلُّهُ‏)‏ لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ، ‏(‏وَ‏)‏ الْمُؤَجِّرُ ‏(‏لَيْسَ عَلَيْهِ فِي إجَارَةِ‏)‏ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ إجَارَةُ ‏(‏الْعَيْنِ إلَّا التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْمُكْتَرِي وَالدَّابَّةِ‏)‏ لَا إعَانَتُهُ فِي رُكُوبٍ وَلَا حَمْلٍ وَنَحْوِهَا، وَالْمُرَادُ بِالتَّخْلِيَةِ التَّمْكِينُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالدَّابَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ قَبْضَهَا بِالتَّخْلِيَةِ لِئَلَّا يُخَالِفَ قَبْضَ الْمَبِيعِ، وَيُشْتَرَطُ فِي قَبْضِ الدَّابَّةِ سَوْقُهَا أَوْ قَوْدُهَا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَلَا يَكْفِي رُكُوبُهَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مُؤْنَةُ الدَّلِيلِ وَسَائِقُ الدَّابَّةِ وَأُجْرَةُ الْخَفِيرِ وَحِفْظُ الْمَتَاعِ فِي الْمَنْزِلِ وَالدَّلْوُ وَالرِّشَا فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلِاسْتِقَاءِ كَالظَّرْفِ فِيمَا مَرَّ‏.‏

وَأَمَّا حِفْظُ الدَّابَّةِ فَعَلَى صَاحِبِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا وَحْدَهُ فَيَلْزَمُهُ الْحِفْظُ صِيَانَةً لَهَا، لَا بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَوَصَلَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا مَعَهُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ، بَلْ يُسَلِّمُهَا لِقَاضِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، أَوْ إلَى أَمِينٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتَصْحَبَهَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْهَبُ وَلَا يَرْكَبُهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ جَمُوحًا كَالْوَدِيعَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَتَنْفَسِخُ إجَارَةُ الْعَيْنِ بِتَلَفِ الدَّابَّةِ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِعَيْبِهَا، وَلَا خِيَارَ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ، بَلْ يَلْزَمُهُ الْإِبْدَالُ، وَالطَّعَامُ الْمَحْمُولُ لِيُؤْكَلَ يُبْدَلُ إذَا أُكِلَ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَتَنْفَسِخُ‏)‏ الْإِجَارَةُ فِي ‏(‏إجَارَةِ الْعَيْنِ‏)‏ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ‏(‏بِتَلَفِ الدَّابَّةِ‏)‏ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَلَا تُبَدَّلُ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ إجَارَةِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهَا تُبَدَّلُ، ‏(‏وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ‏)‏ عَلَى التَّرَاخِي، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافًا لِابْنِ السُّكَّرِيِّ مِنْ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ ‏(‏بِعَيْبِهَا‏)‏ الْمُقَارِنِ إذَا جُهِلَ، وَالْحَادِثِ لِتَضَرُّرِهِ بِالْبَقَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَيْبِ هُنَا مَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْفَعَةِ أَثَرًا يَظْهَرُ لَهُ تَفَاوُتٌ فِي الْأُجْرَةِ لَا فِي الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ الْمَنْفَعَةُ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَحَيْثُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ وَأَجَازَ لَزِمَ الْمُسَمَّى، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ فَاتَ الْخِيَارُ وَلَهُ الْأَرْشُ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ فِي الْأَثْنَاءِ وَفُسِخَ فَلَهُ الْأَرْشُ، وَإِنْ لَمْ يُفْسَخْ فَلَا أَرْشَ لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَيُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْغَزِّيُّ وُجُوبُهُ فِيمَا مَضَى كَمَا فِي كُلِّ الْمُدَّةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

خُشُونَةُ مَشْيِ الدَّابَّةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ كَمَا جَزَمَا بِهِ وَخَالَفَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَجَعَلَهُ عَيْبًا، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ‏:‏ وَبِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي عَيْبِ الْمَبِيعِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَجَمَعَ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَا هُنَاكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا خُشُونَةٌ لَا يَخَافُ مِنْهَا السُّقُوطَ بِخِلَافِهِ هُنَا، ‏(‏وَلَا خِيَارَ‏)‏ لِلْمُكْتَرِي ‏(‏فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ‏)‏ بِعَيْبِ دَابَّةٍ أَحْضَرَهَا الْمُكْرِي ‏(‏بَلْ يَلْزَمُهُ الْإِبْدَالُ‏)‏، كَمَا لَوْ وَجَدَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ عَيْبًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الذِّمَّةِ بِصِفَةِ السَّلَامَةِ، وَهَذَا غَيْرُ سَلِيمٍ، فَإِذَا لَمْ يَرْضَ بِهِ رَجَعَ إلَى مَا فِي الذِّمَّةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

سَكَتَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَنْ عَدَمِ انْفِسَاخِهَا بِالْمُتْلَفِ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ نَفْيِهِ الْخِيَارُ بِالْعَيْبِ مِنْ طَرِيقِ أَوْلَى، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، وَإِذَا لَمْ تَنْفَسِخْ بِإِتْلَافِهَا أُبْدِلَتْ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إبْدَالِهَا فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ ثُبُوتُ الْخِيَارِ، وَلَيْسَ لِلْمُكْرِي أَنْ يُبَدِّلَ الدَّابَّةَ الْمُسَلَّمَةَ عَنْ الْإِجَارَةِ فِي الذِّمَّةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُكْتَرِي، إذْ لِلْمُكْتَرِي إجَارَتُهَا بَعْدَ قَبْضِهَا، وَالِاعْتِيَاضُ عَنْهَا لَا قَبْلَ قَبْضِهَا عَمَّا الْتَزَمَ لَهُ الْمُكْرِي؛ لِأَنَّ إجَارَةَ الذِّمَّةِ كَالسَّلَمِ، وَتُبَدَّلُ هَذِهِ عِنْدَ الْعَيْبِ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنَةِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ أَفْلَسَ الْمُؤَجِّرُ قُدِّمَ بِمَنْفَعَتِهَا عَلَى الْغُرَمَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ قَبْلَ قَبْضِهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَفِي إجَارَتِهَا لِلْمُؤَجِّرِ وَجْهَانِ‏:‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ الْأَصَحُّ صِحَّتُهَا مِنْهُ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ بِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ فِي الْمَنَافِعِ مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي الْأَعْيَانِ، ‏(‏وَالطَّعَامُ الْمَحْمُولُ‏)‏ لَا لِيَصِلَ بَلْ ‏(‏لِيُؤْكَلَ‏)‏ فِي الطَّرِيقِ ‏(‏يُبْدَلُ إذَا أُكِلَ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏، كَسَائِرِ الْمَحْمُولَاتِ إذَا بَاعَهَا أَوْ تَلِفَتْ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا يُبْدَلُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الزَّادِ أَنْ لَا يُبْدَلَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ يَجِدُ الطَّعَامَ فِي الْمَنَازِلِ الْمُسْتَقْبَلَةِ بِسِعْرِ الْمَنْزِلِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَإِلَّا أُبْدِلَ قَطْعًا، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ إذَا أُكِلَ عَمَّا إذَا تَلِفَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بِسَرِقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يُبَدَّلُ جَزْمًا‏.‏ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِنْ شُرِطَ شَيْءٌ اُتُّبِعَ‏.‏

وَأَمَّا الْمَاءُ الْمَحْمُولُ إذَا شُرِبَ فَإِنَّهُ يُبَدَّلُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ شُرَّاحِ التَّنْبِيهِ لِتَطَابُقِ اللَّفْظِ وَالْعُرْفِ عَلَى الْإِبْدَالِ، وَلَوْ حَمَلَ التَّاجِرُ مَتَاعًا يَبِيعُهُ فِي طَرِيقِهِ فَبَاعَ بَعْضَهُ، فَفِي فُرُوعِ ابْنِ الْقَطَّانِ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ، وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مِثْلُ الزَّادِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ‏.‏